فصل: باب أين تعتد المتوفى عنها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب إحداد المعتدة

1 - عن أم سلمة‏:‏ ‏(‏أن امرأة توفي زوجها فخشوا على عينها فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال‏:‏ لا تكتحل كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة‏:‏ ‏(‏أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة قالت‏:‏ دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت‏:‏ واللّه ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول على المنبر‏:‏ لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً قالت زينب‏:‏ ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت‏:‏ واللّه ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول على المنبر‏:‏ لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً قالت زينب‏:‏ وسمعت أمي أم سلمة تقول‏:‏ جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول لا ثم قال‏:‏ إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول قال حميد‏:‏ فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب‏:‏ كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فنقتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏

3 - وعن أم سلمة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشراً‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏ واحتج به من لم ير الإحداد على المطلقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة‏)‏ هي عاتكة بنت نعيم بن عبد اللّه كما أخرجه ابن وهب عن أم سلمة والطبراني أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تكتحل‏)‏ فيه دليل على تحريم الاكتحال على المرأة في أيام عدتها من موت زوجها سواء احتاجت إلى ذلك أم لا‏.‏ وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره‏:‏ ‏(‏اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار‏)‏ ولفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار‏)‏‏.‏

قال في الفتح‏:‏ ووجه الجمع بينهما أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فإذا فعلت مسحته بالنهار وتأول بعضهم حديث الباب على أنه لم يتحقق الخوف على عينها وتعقب بأن في حديث الباب المذكور فخشوا على عينها‏.‏ وفي رواية لابن منده وقد خشيت على بصرها‏.‏ وفي رواية لابن حزم إني أخشى أن تنفقئ عينها قال لا وإن انفقأت‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وسنده صحيح ولهذا قال مالك في رواية عنه بمنعه مطلقاً وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه وبه قالت الشافعية مقيداً بالليل وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ومنهم من تأول النهي على كحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين به لأن التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه فلم ينحصر فيما فيه زينة وقالت طائفة من العلماء‏:‏ يجوز ذلك ولو كان فيه طيب وحملوا النهي على التنزيه جمعاً بين الأدلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في شر أحلاسها‏)‏ المراد بالأحلاس الثياب وهي بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون وهو الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو شر بيتها‏)‏ هو أضعف موضع فيه كالأمكنة المظلمة فيه ونحوها والشك من الراوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمر كلب رمت ببعرة‏)‏ البعرة بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة ويجوز فتحها‏.‏ وفي رواية مطرف وابن ماجشون عن مالك‏:‏ ‏(‏ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الإبل‏)‏ فترمي بها أمامها فيكون ذلك إحلالاً لها‏.‏

وظاهر رواية الباب أن رميها بالبعرة يتوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وبه جزم بعض الشراح‏.‏ وقيل ترمي بها من عرض من كلب أو غيره ترى من حضرها أن مقامها حولاً أهون عليها من بعرة ترمي بها كلباً أو غيره‏.‏

واختلف في المراد برمي البعرة فقيل هو إشارة إلى أنها رمت العدة برمي البعرة‏.‏ وقيل إشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه كان بمنزلة البعرة التي رمتها استحقاراً له وتعظيماً لحق زوجها‏.‏ وقيل بل ترميها على سبيل التفاؤل لعدم عودها إلى مثل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تمضي أربعة أشهر وعشر‏)‏ قيل الحكمة في ذلك أنها تكمل خلقة الولد وينفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يوماً وهي زيادة على أربعة أشهر لنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط وذكر العشر مؤنثاً لإرادة الليالي والمراد مع أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة‏.‏ وعن الأوزاعي وبعض السلف تنقضي بمضي الليال العشر بعد الأشهر وتحل في أول اليوم العاشر واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها ويعارض أحاديث الباب ما أخرجه أحمد وابن حبان وصححه من حديث أسماء بنت عميس قال‏:‏ دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال‏:‏ لا تحدي بعد يومك هذا وسيأتي‏.‏

قال العراقي في شرح الترمذي‏:‏ ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بالاتفاق وهي والدة أولاده‏.‏ قال‏:‏ بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة وقد أجمعوا على خلافه‏.‏ وأجاب الطحاوي بأنه منسوخ وأن الإحداد كان على المعتدة في بعض عدتها في وقت ثم وقع الأمر بالإحداد أربعة أشهر وعشراً واستدل على النسخ بأحاديث الباب وليس فيها ما يدل على ذلك وقيل المراد بالإحداد للقيد بالثلاث قدر زائد على الإحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها فنهاها عن ذلك بعد الثلاث ويحتمل أنها كانت حاملاً فوضعت بعد ثلاث فانقضت عدتها ويحتمل أنه أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد وقد أعل البيهقي الحديث بالانقطاع فقال لم يثبت سماع عبد اللّه بن شداد من أسماء وتعقب بأنه قد صححه أحمد وقد ورد معنى حديث أسماء من حديث ابن عمر بلفظ‏:‏ ‏(‏لا إحداد فوق ثلاث‏)‏ قال أحمد‏:‏ هذا منكر والمعروف عن ابن عمر من رأيه ويحتمل أن يكون هذا لغير المرأة المعتدة فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل‏)‏ استدل بذلك تحريم الإحداد على غير الزوج وهو ظاهر وعلى وجوب الإحداد على المرأة التي مات زوجها وتعقب بأن الاستثناء وقع بعد النفي وهو يدل على مجرد الجواز لا الوجوب ورد بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع وتعقب بأن المنقول عن الحسن البصري أن الإحداد لا يجب كما أخرجه عنه ابن أبي شيبة وروي أيضاً عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد وقيل إن السياق دال على الوجوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لامرأة‏)‏ تمسك بمفهومه الحنفية فقالوا لا يجب الإحداد على الصغيرة وخالفهم الجمهور فأوجبوه عليها كالعدة وأجابوا عن التقييد بالمرأة بأنه خرج مخرج الغالب وظاهر الحديث عدم الفرق بين المدخولة وغيرها والحرة والأمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تؤمن باللّه واليوم الآخر‏)‏ استدل به الحنفية وبعض المالكية على عدم وجوب الإحداد على الذمية وخالفهم الجمهور وأجابوا بأنه ذكر للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له وقال النووي‏:‏ التقييد بوصف الإيمان لأن المتصف به هو الذي ينقاد للشرع ورجح ابن دقيق العيد الأول وقد أجاب ابن القيم في الهدى عن هذا التقييد بما فيه كفاية فراجعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تحد‏)‏ بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي ويجوز بفتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي قال أهل اللغة‏:‏ أصل الإحداد المنع ومنه تسمية البواب حداداً لمنعه الداخل وتسمية حداً لأنها تردع عن المعصية قال ابن درستويه‏:‏ معنى الإحداد منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطاب خطبتها‏.‏ وحكى الخطابي أنه يروى بالجيم والحاء والحاء أشهر وهو بالجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته فكأن المرأة انقطعت عن الزينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على ميت‏)‏ استدل به من قال إنه لا إحداد على امرأة المفقود لعدم تحقق وفاته خلافاً للمالكية وظاهره أنه لا إحداد على المطلقة فأما الرجعية فإجماع وأما البائنة فلا إحداد عليها عند الجمهور وقال أبو حنيفة وأبو عبيد وأبو ثور وبعض المالكية والشافعية وحكاه أيضاً في البحر عن أمير المؤمنين علي وزيد بن علي والمنصور باللّه والثوري والحسن بن صالح أنه يلزمها الإحداد والحق الاقتصار على مورد النص عملاً بالبراءة الأصلية فيما عداه فمن ادعى وجوب الإحداد على غير المتوفى عنها فعليه الدليل وأما المطلقة قبل الدخول فقال في الفتح‏:‏ إنه لا إحداد عليها اتفاقاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوق ثلاث‏)‏ فيه دليل على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية وأما ما أخرجه أو داود في المراسيل من حديث عمرو بن شعيب أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رخص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام وعلى من سواه ثلاثة أيام فلو صح لكان مخصصاً للأب من هذا العموم لكنه مرسل وأيضاً عمرو بن شعيب ليس من التابعين حتى يدخل حديثه في المرسل وقال الحافظ‏:‏ يحتمل أن أبا داود لا يخص المرسل برواية التابعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واللّه ما لي بالطيب من حاجة‏)‏ إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد اشتكت عينها‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل ويرجح الأول أنه وقع في مسلم عيناها وعليها اقتصر النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفنكحلها‏)‏ بضم الحاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حفشا‏)‏ بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة فسره أبو داود في روايته من طريق مالك أنه البيت الصغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتقتض به‏)‏ بفاء ثم مثناة من فوق ثم قاف ثم مثناة فوقية ثم ضاد معجمة فسره مالك بأنها تمسح به جلدها وفي النهاية فرجها وأصل القض الكسر أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما فعلت بالدابة وفي رواية للنسائي تقبص بعد القاف باء موحدة ثم صاد مهملة والقبص الأخذ بأطراف الأنامل قال الأصبهاني وابن الأثير‏:‏ هو كناية عن الإسراع أي تذهب بسرعة إلى منزل أبويها لكثرة جفائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى الأزواج لبعد عهدها قال ابن قتيبة‏:‏ سألت الحجازيين عن الاقتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفراً ولا تزيل شعراً ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تقتض أي تكسر ما كانت فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها فلا يكاد يعيش ما تقتض به‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا لا يخالف تفسير مالك لكنه أخص منه لأنه أطلق الجلد فتبين أن المراد به جلد القبل والافتضاض بالفاء الاغتسال بالماء العذب لإزالة الوسخ حتى تصير بيضاء نقية كالفضة‏.‏

 باب ما تجتنب الحادّة وما رخص لها فيه

1 - عن أم عطية قالت‏:‏ ‏(‏كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏

وفي رواية قالت‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر تحد فوق ثلاث إلا على زوج فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار‏)‏

متفق عليه‏.‏

وقال فيه أحمد ومسلم‏:‏ ‏(‏لا تحد على ميت فوق ثلاث إلا المرأة فإنها تحد أربعة أشهر وعشراً‏)‏‏.‏

2 - وعن أم سلمة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

3 - وعن أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت علي صبراً فقال‏:‏ ما هذا يا أم سلمة فقلت‏:‏ إنما هو صبر يا رسول اللّه ليس فيه طيب قال‏:‏ إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قالت‏:‏ قلت بأي شيء أمتشط يا رسول اللّه قال‏:‏ بالسدر تغلفين به رأسك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

4 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏طلقت خالتي ثلاثاً فخرجت تجد نخلاً لها فلقيها رجل فنهاها فأتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال‏:‏ اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي‏.‏

5 - وعن أسماء بنت عميس قالت‏:‏ ‏(‏لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ تسلبي ثلاثاً ثم اصنعي ما شئت‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال‏:‏ لا تحد بعد يومك هذا‏)‏‏.‏

رواهما أحمد وهو متأول على المبالغة في الإحداد والجلوس للتعزية‏.‏

- حديث أم سلمة الأول قال البيهقي‏:‏ روي موقوفاً والمرفوع من رواية إبراهيم ابن طهمان وهو ثقة من رجال الصحيحين وقد ضعفه ابن حزم ولا يلتفت إلى ذلك فإن الدارقطني قد جزم بأن تضعيف من ضعفه إنما هو من قبل الإرجاء‏.‏ وقد قيل إنه رجع عن ذلك‏.‏

وحديثها الثاني أخرجه أيضاً الشافعي وفي إسناده المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولى لها عن أم سلمة وقد أعله عبد الحق والمنذري بجهالة حال المغيرة ومن فوقه قال الحافظ‏:‏ وأعل بما في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة‏:‏ ‏(‏سمعت أم سلمة تقول‏:‏ جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها‏)‏ الحديث وقد تقدم وقد حسن إسناد حديثها المذكور في الباب الحافظ في بلوغ المرام‏.‏

وحديث أسماء بنت عميس أخرجه ابن حبان وصححه وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبل هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ننهى‏)‏ بضم أوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نكتحل‏)‏ قد تقدم الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نتطيب‏)‏ فيه تحريم الطيب على المعتدة وهو كل ما يسما طيباً ولا خلاف في ذلك وقد استثنى صاحب البحر اللينوفر والبنفسج والعرار وعلل ذلك بأنها ليست بطيب ثم قال أما البنفسج ففيه نظر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب‏)‏ بمهملتين مفتوحتين ثم ساكنة ثم موحدة وهو بالإضافة برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوباً فيخرج موشى لبقاء ما عصب منه أبيض لم ينصبغ وإنما ينصبغ السدى دون اللحمة‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ إن العصب نبات لا ينبت إلا باليمن وهو غريب وأغرب منه قول الداودي إن المراد بالثوب العصب الخضرة وهي الحبرة‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ أجمع العلماء أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن‏.‏

وقال الإمام يحيى‏:‏ لها لبس البياض والسواد والأكهب وما بلي صبغه والخاتم والزقر والودع‏.‏ وكره عروة العصب أيضاً وكره مالك غليظه قال النووي‏:‏ الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقاً والحديث حجة عليهم‏.‏ قال النووي‏:‏ ورخص أصحابنا ما لا يتزين به ولو كان مصبوغاً واختلف في الحرير فالأصح عند الشافعية منعه مطلقاً مصبوغاً أو غير مصبوغ لأنه من ثياب الزينة وهي ممنوعة منها‏.‏

قال في البحر‏:‏ مسألة ويحرم من اللباس المصبوغ للزينة ولو بالمغرة والحرير وما في منزلته لحسن صنعته والمطرز والمنقوش بالصبغ والحلي جميعاً‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وفي التحلي بالذهب والفضة واللؤلؤ ونحوه وجهان الأصح جوازه وفيه نظر لأنه من الزينة ويصدق عليه أيضاً اسم الحلي المنهي عنه في حديث أم سلمة المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في نبذة‏)‏ بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة وهي القطعة من الشيء وتطلق على الشيء اليسير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كست أظفار‏)‏ بضم الكاف وسكون المهملة وبعدها مثناة فوقية وفي رواية من قسط بقاف مضمومة كما في الرواية الأخرى المذكورة وهو بالإضافة إلى أظفار وفي الرواية الأخرى من قسط أو أظفار وهو أصوب وخطأ القاضي عياض رواية الإضافة‏.‏ قال النووي‏:‏ القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب‏.‏ وقال البخاري‏:‏ القسط والكست مثل الكافور والقافور انتهى‏.‏ وروي كسط بالطاء بإبدال الكاف من القاف‏.‏ قال في النهاية‏:‏ وقد تبدل الكاف من القاف وقد استدل بهذا على أنه يجوز للمرأة استعمال ما فيه منفعة من جنس ما منعت منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا الممشقة‏)‏ أي المصبوغة بالمشق وهو المغرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يشب الوجه‏)‏ بفتح أوله وضم الشين المعجمة أي يجمله‏.‏ وظاهر حديث أم سلمة هذا أنه يجوز للمرأة المعتدة عن موت أن تجعل على وجهها الصبر بالليل وتنزعه بالنهار لأنه يحسن الوجه فلا يجوز فعله في الوقت الذي تظهر فيه الزينة وهو النهار ويجوز فعله بالليل لأنها لا تظهر فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء‏)‏ فيه دليل على أنه لا يجوز للمرأة أن تمتشط بشيء من الطيب أو بما فيه زينة كالحناء ولكنها تمتشط بالسدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تغلفين به رأسك‏)‏ الغلاف في الأصل الغشاوة وتغليف الرأس أن يجعل عليه من الطيب أو السدر ما يشبه الغلاف‏.‏ قال في القاموس‏:‏ تغلف الرجل واغتلف حصل له غلاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تجد‏)‏ بفتح أوله وضم الجيم بعدها دال مهملة أي تقطع نخلاً لها وظاهر أذنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لها بالخروج لجد النخل يدل على أنه يجوز لها الخروج لتلك الحاجة ولما يشابهها بالقياس‏.‏

وقد بوب النووي لهذا الحديث فقال‏:‏ باب جواز خروج المعتدة البائن من منزلها في النهار للحاجة إلى ذلك ولا يجوز لغير حاجة وقد ذهب إلى ذلك علي رضي اللّه عنه وأبو حنيفة والقاسم والمنصور باللّه ويدل على اعتبار الغرض الديني أو الدنيوي تعليله صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك بالصدقة أو فعل الخير ولا معارضة بين هذا الحديث وبين قوله تعالى ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن‏}‏ الآية بل الحديث مخصص لذلك العموم المشعور به من النهي فلا يجوز الخروج إلا للحاجة لغرض من الأغراض‏.‏ وذهب الثوري والليث ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنه يجوز لها الخروج في النهار مطلقا وتمسكوا بظاهر الحديث وليس فيه ما يدل على اعتبار الحاجة وغايته اعتبار أن يكون الخروج لقربة من القرب كما يدل على ذلك آخر الحديث ومما يؤيد مطلق الجواز في النهار القياس على المتوفى عنها كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تسلبي‏)‏ بفتح أوله وبعده سين مهملة مفتوحة وتشديد اللام أي البسي السلاب وهو ثوب الإحداد وقيل هو ثوب أسود تغطي به رأسها وقد قدمنا الكلام على حديث أسماء هذا وكيفية الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بوجوب الإحداد‏.‏

 باب أين تعتد المتوفى عنها

1 - عن فريعة بنت مالك قالت‏:‏ ‏(‏خرج زوجي في طلب علاج له فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقلت إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً لورثته وليس المسكن له فلو تحولت إلي أهلي وأخوتي لكان أرفق لي في بعض شأني قال‏:‏ تحولي فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت فقال‏:‏ امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت‏:‏ فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً قالت‏:‏ وأرسل إليَّ عثمان فأخبرته فأخذ به‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي ولم يذكر النسائي وابن ماجه إرسال عثمان‏.‏

2 - وعن عكرمة عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏في قوله تعالى ‏{‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج‏}‏ نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض اللّه لها من الربع والثمن ونسخ أجل الحول إن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً‏)‏‏.‏

رواه النسائي وأبو داود

حديث فريعة أخرجه أيضاً مالك في الموطأ والشافعي والطبراني وابن حبان والحاكم وصححاه وأعله ابن حزم وعبد الحق بجهالة حال زينب بنت كعب بن عجرة الرواية له عن الفريعة وأجيب بأن زينب المذكورة وثقها الترمذي وذكرها ابن فتحون وغيره في الصحابة وأما ما روي عن علي بن المديني بأنه لم يرو عنها غير سعد بن إسحاق فمردود بما في مسند أحمد من رواية سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب في فضل الإمام علي رضي اللّه عنه وقد أعل الحديث أيضاً بأن في إسناده سعد بن إسحاق وتعقبه ابن القطان بأنه قد وثقه النسائي وابن حبان انتهى‏.‏ ووثقه أيضاً يحيى بن معين والدارقطني وقال أبو حاتم‏:‏ صالح الحديث وروى عنه جماعة من أكابر الأئمة ولم يتكلم فيه بجرح وغاية ما قاله فيه ابن حزم وعبد الحق أنه غير مشهور وهذه دعوى باطلة فإن من يروي عنه مثل سفيان الثوري وحماد بن زيد ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد والدراوردي وابن جريج والزهري مع كونه أكبر منه وغير هؤلاء الأئمة كيف يكون غير مشهور‏.‏

وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال ولكنه قد رواه النسائي من غير طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن فريعة‏)‏ بضم الفاء وفتح الراء وبعدها تحتية ساكنة ثم عين مهملة ويقال لها الفارعة وهي بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري وشهدت بيعة الرضوان وقد استدل بحديثها هذا على أن المتوفى عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر وأخرجه أيضاً سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عبد اللّه وسعيد بن المسيب وعطاء وأخرجه حماد عن ابن سيرين وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد قال ابن عبد البر‏:‏ وقد قال بحديث الفريعة جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر ولم يطعن فيه أحد منهم وقد روي جواز خروج المتوفى عنها للعذر عن جماعة منهم عمر أخرج عنه ابن أبي شيبة أنه رخص للمتوفى عنها أن تأتي أهلها بياض يومها‏.‏ وأن زيد بن ثابت رخص لها في بياض يومها وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان له ابنة تعتد من وفاة زوجها فكانت تأتيهم بالنهار فتحدث إليهم فإذا كان بالليل أمرها أن ترجع إلى بيتها‏.‏

وأخرج أيضاً عن ابن مسعود في نساء نعي إليهن أزواجهن وتشكين الوحشة فقال ابن مسعود‏:‏ يجتمعن بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهن إلى بيتها بالليل‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور عن علي رضي اللّه عنه أنه جوز للمسافرة الانتقال‏.‏

وروى الحجاج بن منهال أن امرأة سألت أم سلمة بأن أباها مريض وأنها في عدة وفاة فأذنت لها في وسط النهار‏.‏

وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن مجاهد مرسلاً أن رجالاً استشهدوا بأحد فقال نساؤهم‏:‏ يا رسول اللّه إنّا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا فأذن لهن أن يتحدثن عند إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها وحكى في البحر عن علي رضي اللّه عنه وابن عباس وعائشة وجابر والقاسمية أنه يجوز لها الخروج من موضع عدتها لقوله ‏{‏يتربصن‏}‏ ولم يخص مكاناً والبيان لا يؤخر عن الحاجة‏.‏ وعن زيد بن علي والشافعية والحنفية أنه لا يجوز ثم قال‏:‏ فرع ولها الخروج نهاراً ولا تبيت إلا في منزلها إجماعاً انتهى‏.‏ وحكاية الإجماع راجعة إلى مبيتها في منزلها لا إلى الخروج نهاراً فإنه محل الخلاف كما عرفت‏.‏ وحديث فريعة لم يأت من يخالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين ولا حجة في أقوال أفراد الصحابة ومرسل مجاهد لا يصلح للاحتجاج به على فرض انفراده عند من لم يقبل المراسيل مطلقاً وأما إذا عارضه مرفوع أصح منه كما في مسألة النزاع فلا يحل التمسك به بإجماع من يعتد به من أهل العلم وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور في الباب من قال إن المتوفى عنها لا تستحق السكنى والنفقة والكسوة قال الشافعي‏:‏ حفظت عمن أرضى به من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولاً منسوختان بآية الميراث ولم أعلم مخالفاً في نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنة أو أقل من سنة ثم قال ما معناه‏:‏ إنه يحتمل أن يكون حكم السكنى حكمهما لكونها مذكورة معهما ويحتمل أنها تجب لها السكنى وقال الشافعي أيضاً في كتاب العدد‏:‏ الاختيار لورثة الميت إن يسكنوها لأن قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث فريعة امكثي في بيتك وقد ذكرت أنه لا بيت لزوجها يدل على وجوب سكناها في بيت زوجها إذا كان له بيت بالطريق الأولى وأجيب الاستدلال بحديث ابن عباس بأن نسخ بعض المدة إنما يستلزم نسخ نفقة المنسوخ وكسوته وسكناه دون ما لم ينسخ وهو أربعة أشهر وعشر وأجيب عن الاستدلال بحديث فريعة بأنه مخالف للقياس لأنها قالت‏:‏ وليس المسكن له ولم يدع نفقة ولا مالاً فأمرها بالوقوف فيما لا يملكه زوجها وملك الغير لا يستحق غيره الوقوف فيه فيكون ذلك قضية عين موقوفة‏.‏

وقد حكى في البحر القول بوجوب نفقة المتوفى عنها عن ابن عمر والهادي والقاسم والناصر والحسن بن صالح وعدم الوجوب عند الشافعية والحنفية ومالك والوجوب للحامل لا الحائل عن مولانا علي رضي اللّه عنه وابن مسعود وأبي هريرة وشريح وابن أبي ليلى‏.‏ وحكي أيضاً القول بوجوب السكنى عن ابن عمر وأم سلمة ومالك والإمام يحيى والشافعي وعدمه عن مولانا علي رضي اللّه عنه وعمر وابن مسعود وعثمان وعائشة وأبي حنيفة وأصحابه‏.‏

وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة‏)‏ وفي لفظ آخر‏:‏ ‏(‏إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى‏)‏ وسيأتي هذا الحديث في باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية وهو نص في محل النزاع والقرآن والسنة إنما دلا على أنه يجب على المتوفى عنها لزومها لبيتها وذلك تكليف لها‏.‏ وحديث الفريعة إنما دل على هذا فهو واضح في أن السكنى والنفقة ليستا من تكليف الزوج ويؤيد هذا أن الذي في القرآن في سورة الطلاق هو إيجاب النفقة لذات الحمل لا غير وفي البقرة إيجابها للمطلقات وقد خرج من عمومهن البائنة بحديث فاطمة بنت قيس إلا أن تكون حاملاً لذكر ذلك في حديثها كما سيأتي وخرجت أيضاً المطلقة قبل الدخول بآية الأحزاب فخرجت المتوفى عنها من ذلك وكذلك لا سكنى لها لأن قوله تعالى ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن‏}‏ وقوله ‏{‏أسكنوهن من حيث سكنتم‏}‏ في الرجعيات لظاهر السياق كما سيأتي تحقيق ذلك‏.‏ إذا تقرر هذا علمت أنه لم يكن في القرآن ما يدل على وجوب النفقة والسكنى للمتوفى عنها كما علمت أن السنة قاضية بعدم الوجوب‏.‏

وأما حديث الفريعة وحديث ابن عباس فقد استدل بهما من قال بعدم الوجوب كما استدل بهما من قال بالوجوب لما فيهما من الاحتمال والمحتمل لا تقوم به الحجة وقد أطال صاحب الهدى الكلام في هذه المسألة وحرر فيها المذاهب تحريراً نفيساً فمن رام الوقوف على تفاصيلها فليراجعه ‏.‏

 باب ما جاء في نفقة المبتوتة وسكناها‏.‏

1 - عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في المطلقة ثلاثاً قال‏:‏ ليس لها سكنى ولا نفقة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

وفي رواية عنها قالت‏:‏ ‏(‏طلقني زوجي ثلاثاً فلم يجعل لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سكنى ولا نفقة‏)‏ رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

وفي رواية عنها أيضاً قالت‏:‏ ‏(‏طلقني زوجي ثلاثاً فأذن لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أعتد في أهلي‏)‏ رواه مسلم‏.‏

2 - وعن عروة بن الزبير أنه قال لعائشة‏:‏ ‏(‏ألم تري إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت فقالت‏:‏ بئسما صنعت فقال‏:‏ ألم تسمعي إلى قول فاطمة فقالت‏:‏ أما إنه لا خير لها في ذلك‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏أن عائشة عابت ذلك أشد العيب وقالت‏:‏ إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه‏.‏

3 - عن فاطمة بنت قيس قالت‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه زوجي طلقني ثلاثاً وأخاف أن يقتحم عليَّ فأمرها فتحولت‏)‏‏.‏

رواه مسلم والنسائي‏.‏

4 - وعن الشعبي أنه حدث بحديث فاطمة بنت قيس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة فأخذ الأسود بن يزيد كفاً من حصى فحصبه به وقال‏:‏ ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر‏:‏ لا نترك كتاب اللّه وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

5 - وعن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة قال‏:‏ ‏(‏أرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة فسألها فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة وكان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمَّر الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه على بعض اليمن فخرج معه زوجها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها وأمر عياش ابن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها فقالا‏:‏ واللّه ما لها نفقة إلا أن تكون حاملاً فأتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً واستأذنته في الانتقال فأذن لها فقالت‏:‏ أين أنتقل يا رسول اللّه فقال‏:‏ عند أم مكتوم وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يبصرها فلم تزل هناك حتى مضت عدتها فأنكحها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أسامة فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره ذلك فقال مروان‏:‏ لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة حين بلغها ذلك‏:‏ بيني وبينكم كتاب اللّه قال اللّه‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ حتى قال‏:‏ ‏{‏لا ندري لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمراً‏}‏ فأي أمر يحدث بعد الثلاث‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي ومسلم بمعناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألم تري إلى فلانة بنت الحكم‏)‏ اسمها عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم فهي بنت أخي مروان بن الحكم ونسبها عروة في هذه الرواية إلى جدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بئسما صنعت‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏بئسما صنع‏)‏ أي زوجها في تمكينها من ذلك أو أبوها في موافقتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما إنه لا خير لها في ذلك‏)‏ كأنها تشير إلى أن سبب الإذن في انتقال فاطمة ما في الرواية الثانية المذكورة من أنها كانت في مكان وحش أو إلي ما وقع في رواية لأبي داود إنما كان ذلك من سوء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحش‏)‏ بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة أي مكان لا أنيس به‏.‏

وقد استدل بأحاديث الباب من قال إن المطلقة بائناً لا تستحق على زوجها شيئاً من النفقة والسكنى وقد ذهب إلى ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم وحكاه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والإمامية والقاسم وذهب الجمهور كما حكى ذلك صاحب الفتح عنهم إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى واحتجوا لإثبات السكنى بقوله تعالى ‏{‏أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم‏}‏ ولإسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى ‏{‏وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن‏}‏ فإن مفهومه أن غير الحامل لا نفقة لها وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر فائدة‏.‏ وذهب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والثوري وأهل الكوفة من الحنفية وغيرهم والناصر والإمام يحيى إلى وجوب النفقة والسكنى واستدلوا بقوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا اللّه ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن‏}‏ فإن آخر الآية وهو النهي عن إخراجهن يدل على وجوب النفقة والسكنى ويؤيده قوله تعالى ‏{‏أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم‏}‏ الآية وذهب الهادي والمؤيد باللّه وحكاه في البحر عن أحمد بن حنبل إلى أنها تستحق النفقة دون السكنى واستدلوا على وجوب النفقة بقوله تعالى ‏{‏وللمطلقات متاع بالمعروف‏}‏ الآية وبقوله تعالى ‏{‏لا تضاروهن‏}‏ وبأن الزوجة المطلقة بائناً محبوسة بسبب الزوج واستدلوا على عدم وجوب السكنى بقوله تعالى ‏{‏أسكنوهن من حيث سكنتم‏}‏ فإنه أوجب أن تكون حيث الزوج وذلك لا يكون في البائنة وأرجح هذه الأقوال الأول لما في الباب من النص الصحيح الصريح وأما ما قيل من أنه مخالف للقرآن فوهم فإن الذي فهمه السلف من قوله تعالى ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن‏}‏ هو ما فهمته فاطمة من كونه في الرجعية لقوله في آخر الآية ‏{‏لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمراً‏}‏ لأن الأمر الذي يرجى إحداثه هو الرجعة لا سواه وهو الذي حكاه الطبري عن قتادة والحسن والسدي والضحاك ولم يحكِ عن أحد غيرهم خلافه‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وحكى غيره أن المراد بالأمر ما يأتي من قبل اللّه تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر انتهى‏.‏

ولو سلم العموم في الآية لكان حديث فاطمة المذكور مخصصاً له وبذلك يظهر أن العمل به ليس يترك للكتاب العزيز كما قال عمر فيما أخرجه عنه مسلم لما أخبر بقول فاطمة المذكور لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أم نسيت‏.‏ فإن قلت إن قوله وسنة نبينا يدل على أنه قد حفظ في ذلك شيئاً من السنة يخالف قول فاطمة لما تقرر إن قول الصحابي من السنة كذا له حكم الرفع قلت صرح الأئمة بأنه لم يثبت شيء من السنة يخالف قول فاطمة وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لها السكنى والنفقة‏)‏ فقد قال الإمام أحمد لا يصح ذلك عن عمر وقال الدارقطني‏:‏ السنة بيد فاطمة قطعاً وأيضاً تلك الرواية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد موت عمر بسنتين قال العلامة ابن القيم‏:‏ ونحن نشهد باللّه شهادة نسئل عنها إذا لقيناه أن هذا كذب على عمر وكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وينبغي أن لا يحمل الإنسان فرط الانتصار للمذاهب والتعصب على معارضة السنن النبوية الصريحة الصحيحة بالكذب البحت فلو يكون هذا عند عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لخرست فاطمة وذووها ولم ينبزوا بكلمة ولا دعت فاطمة إلى المناظرة انتهى‏.‏

فإن قلت أن ذلك القول من عمر يتضمن الطعن على رواية فاطمة لقوله لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت قلت هذا مطعن باطل بإجماع المسلمين للقطع بأنه لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبر المرأة لكونها امرأة فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة ولم ينقل أيضاً عن أحد من المسلمين أنه يرد الخبر بمجرد تجويز نسيان ناقله ولو كان ذلك مما يقدح به لم يبقى حديث من الأحاديث النبوية إلا وكان مقدوحاً فيه لأن تجويز النسيان لا يسلم منه أحد فيكون ذلك مفضياً إلى تعطيل السنن بأسرها مع كون فاطمة المذكورة من المشهورات بالحفظ كما يدل على ذلك حديثها الطويل في شأن الدجال ولم تسمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا مرة واحدة يخطب به على المنبر فوعته جميعه فكيف يظن بها أن تحفظ مثل هذا وتنسى أمراً متعلقاً بها مقترناً بفراق زوجها وخروجها من بيته واحتمال النسيان أمر مشترك بينها وبين من اعترض عليها فإن عمر قد نسي تيمم الجنب وذكره عمارة فلم يذكر ونسي قوله تعالى ‏{‏وآتيتم إحداهن قنطاراً‏}‏ حتى ذكرته امرأة ونسي ‏{‏إنك ميت وإنهم ميتون‏}‏ حتى سمع أبا بكر يتلوها وهكذا يقال في إنكار عائشة وهكذا قول مروان سنأخذ بالعصمة وهكذا إنكار الأسود بن يزيد على الشعبي لما سمعه يحدث بذلك ولم يقل أحد منهم أن فاطمة كذبت في خبرها وأما دعوى أن سبب خروجها كان لفحش في لسانها كما قال مروان لما حدث بحديثها إن كان بكم شر فحسبكم ما بين هذين من الشر يعني أن خروج فاطمة كان لشر في لسانها فمع كون مروان ليس من أهل الانتقاد على أجلاء الصحابة والطعن فيهم فقد أعاذ اللّه فاطمة عن ذلك الفحش الذي رماها به فإنها من خيرة نساء الصحابة فضلاً وعلماً ومن المهاجرات الأولات ولهذا ارتضاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لحبه وابن حبه أسامة وممن لا يحملها رقة الدين على فحش اللسان الموجب لإخراجها من دارها ولو صح شيء من ذلك لكان أحق الناس بإنكار ذلك عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً‏)‏ فيه دليل على وجوب النفقة للمطلقة بائناً إذا كانت حاملاً ويدل بمفهومه على أنها لا تجب لغيرها ممن كان على صفتها في البينونة فلا يرد ما قيل أنه يدخل تحت هذا المفهوم المطلقة الرجعية إذا تكن حاملاً ولو سلم الدخول لكان الإجماع على وجوب نفقة الرجعية مطلقاً مخصصاً لعموم ذلك المفهوم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واستأذنته في الانتقال فأذن لها‏)‏ فيه دليل على أنه يجوز للمطلقة بائناً الانتقال من المنزل الذي وقع عليها الطلاق البائن وهى فيه فيكون مخصصاً لعموم قوله تعالى ‏{‏ولا يخرجن‏}‏ كما خصص ذلك حديث جابر المتقدم في باب ما تجتنب الحادة ولا يعارض هذا حديث الفريعة المتقدم لأنه في عدة الوفاة وقد قدمنا الخلاف في جواز الخروج وعدمه للمطلقة بائناً‏.‏

 باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية

1 - عن فاطمة بنت قيس قالت‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت إن زوجي فلاناً أرسل إليَّ بطلاق وإني سألت أهله النفقة والسكنى فأبوا علي قالوا يا رسول اللّه إنه أرسل إليها بثلاث تطليقات قالت‏:‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم تكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى‏)‏ رواه أحمد‏.‏

الحديث تفرد برفعه مجالد بن سعيد وهو ضعيف كما بينه الخطيب في المدرج وقد تابعه في رفعه بعض الرواة قال في الفتح‏:‏ ولكنه أضعف من مجالد وهو في أكثر الروايات موقوف عليها والرفع زيادة يتعين قبولها كما بيناه في غير موضع ورواية الضعيف مع الضعيف توجب الارتفاع عن درجة السقوط إلى درجة الاعتبار‏.‏

والحديث يدل بمنطوقه على وجوب النفقة والسكنى على الزوج للمطلقة رجعياً وهو مجمع عليه بمفهومه على عدم وجوبهما لمن عداها إلا إذا كانت حاملاً لما تقدم في الباب الأول وقد قدمنا تحقيق ذلك فلا نعيده‏.‏

 باب استبراء الأمة إذا ملكت

1 - عن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في سبي أوطاس‏:‏ لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

2 - وعن أبي الدرداء‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه أتى على امرأة مجح على باب فسطاط فقال‏:‏ لعله يريد أن يلم بها فقالوا‏:‏ نعم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له ‏كيف يستخدمه وهو لا يحل له‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أبو داود الطيالسي وقال‏:‏ ‏(‏كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يسترقه وهو لا يحل له‏)‏ والمجح هي المرأة الحامل المقرب‏.‏

حديث أبي سعيد أخرجه أيضاً الحاكم وصححه وإسناده حسن وهو عند الدارقطني من حديث ابن عباس وأعل بالإرسال‏.‏ وعند الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف‏.‏

وأخرج الترمذي من حديث العرباض بن سارية‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن‏)‏ وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة من حديث علي بلفظ‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إن توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة‏)‏ وفي إسناده ضعف وانقطاع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوطاس‏)‏ هو واد في ديار هوازن قال القاضي عياض‏:‏ وهو موضع الحرب بحنين وبه قال بعض أهل السير‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين وهو ظاهر كلام ابن إسحاق في السيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مجح‏)‏ بضم الميم ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة وهي الحامل التي قد قاربت الولادة على ما فسره المصنف‏.‏

والحديثان يدلان على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبية إذا كانت حاملاً حتى تضع حملها‏.‏ والحديث الأول منهما يدل أيضاً على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبية إذا كانت حائلاً حتى تستبرأ بحيضة وقد ذهب إلى ذلك العترة والشافعية والحنفية والثوري والنخعي ومالك‏.‏ وظاهر قوله ولا غير حامل أنه يجب الاستبراء للبكر ويؤيده القياس على العدة فإنها تجب مع العلم ببراءة الرحم‏.‏ وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الاستبراء إنما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها وأما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقها وقد روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه قال‏:‏ إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء وهو في صحيح البخاري عنه وسيأتي ويؤيد هذا حديث رويفع الآتي فإن قوله فيه فلا ينكحن ثيباً من السبايا حتى تحيض يرشد إلى ذلك ويؤيده أيضاً حديث علي الأتي قريباً فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله ولا غير حامل أو مقيداً له‏.‏

وقد روي ذلك عن مالك قال المازري من المالكية‏:‏ القول الجامع في ذلك أن كل أمة أمن عليها الحمل فلا يلزم فيها الاستبراء وكل من غلب على الظن أنها حامل أو شك في حملها أو تردد فيه فالاستبراء لازم فيها وكل من غلب على الظن براءة رحمها لكنه يجوز حصوله فإن المذهب فيه على وجهين في ثبوت الاستبراء وسقوطه ومن القائلين بأن الاستبراء إنما هو للعلم ببراءة الرحم فحيث تعلم البراءة لا يجب وحيث لا يعلم ولا يظن يجب أبو العباس ابن سريج وأبو العباس ابن تيمية وابن القيم ورجحه جماعة من المتأخرين منهم الجلال والمقبلي والمغربي والأمير وهو الحق لأن العلة معقولة فإذا لم توجد المئنة كالحمل ولا المظنة كالمرأة المزوجة فلا وجه لإيجاب الاستبراء والقول بأن الاستبراء تعبدي وأنه يجب في حق الصغيرة وكذا في حق البكر والآيسة ليس عليه دليل‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يقعن رجل على امرأة وحملها لغيره‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2 - وعن رويفع بن ثابت‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره‏)‏‏.‏

- رواه أحمد والترمذي وأبو داود وزاد‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها‏)‏‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا ينكحن ثيباً من السبايا حتى تحيض‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومفهومه أن البكر لا تستبرأ‏.‏

وقال ابن عمر‏:‏ إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو أعتقت فلتستبرأ بحيضة ولا تستبرأ العذراء حكاه البخاري في صحيحه وقد جاء في حديث عن علي رضي اللّه عنه ما الظاهر حمله على مثل ذلك فروى بريدة قال‏:‏ ‏(‏بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم علياً إلى خالد يعني إلى اليمن ليقبض الخمس فاصطفى علي منه سبية فأصبح وقد اغتسل فقلت لخالد‏:‏ ألا ترى إلى هذا وكنت أبغض علياً فلما قدمنا على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ذكرت له ذلك فقال‏:‏ يا بريدة أتبغض علياً فقلت‏:‏ نعم فقال‏:‏ لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً وأحببت رجلاً من قريش لم أحببه إلا على بغضه علياً قال‏:‏ فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته فأصبنا سبايا قال‏:‏ فكتب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ابعث إلينا من يخمسه قال‏:‏ فبعث إلينا علياً وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي قال‏:‏ فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلنا‏:‏ يا أبا الحسن ما هذا قال‏:‏ ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم صارت في آل علي ووقعت بها قال‏:‏ فكتب الرجل إلى نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت‏:‏ ابعثني فبعثني مصدقاً فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق فأمسك يدي والكتاب وقال‏:‏ أتبغض علياً قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حباً فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة قال‏:‏ فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أحب إليَّ من علي‏)‏ رواه أحمد وفيه بيان أن بعض الشركاء يصح توكيله في قسمة مال الشركة والمراد بآل علي علي رضي اللّه عنه نفسه‏.‏

حديث أبي هريرة أخرجه أيضاً الطبراني وإسناده ضعيف كما تقدمت الإشارة إلى ذلك‏.‏

قال في مجمع الزوائد‏:‏ في إسناده بقية والحجاج بن أرطأة وكلاهما مدلس اهـ‏.‏ ولكنه يشهد لصحته حديث رويفع المذكور بعده والأحاديث المذكورة قبله‏.‏ وحديث رويفع أخرجه أيضاً ابن أبي شيبة والدارمي والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وابن حبان وصححه والبزار وحسنه واللفظ الآخر أخرجه أيضاً الطحاوي‏.‏

- وفي الباب - عن ابن عباس عند الحاكم‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم قال‏:‏ لا تسق ماءك زرع غيرك‏)‏ وأصله في النسائي‏.‏ وعن رجل من الأنصار عند أبي داود قال‏:‏ تزوجت امرأة بكراً في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى فذكر الحديث قال‏:‏ ففرق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما وقد استدل من قال بوجوب الاستبراء للمسبية إذا كانت حاملاً أو حائلاً يجوز عليها الحمل فقط لا مع عدم التجويز كالبكر والصغيرة بحديث أبي هريرة ورويفع المذكورين وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل بالأثر المذكور عن ابن عمر من قال بوجوب الاستبراء على واهب الأمة وبائعها وقد حكى ذلك في البحر عن الهادي والناصر والنخعي والثوري ومالك ولم يفرقوا بين أن يكون البائع أو الواهب رجلاً أو امرأة وبين كون المبيعة بكراً أو ثيباً صغيرة أو كبيرة وقال الشافعي والمؤيد باللّه وزيد بن علي والإمام يحيى‏:‏ لا يجب وقال أبو حنيفة‏:‏ يستحب فقط‏.‏

استدل القائلون بالوجوب بالقياس على عدة الزوجة بجامع ملك الوطء فلا يملكه غيره إلا بعد الاستبراء وأجيب بالفرق بين الأصل والفرع بوجوه‏:‏ أحدها أن العدة إنما تكون بعد الطلاق وهذا الاستبراء قبل البيع ومنها تنافي أحكام الملك والنكاح وإلا لزم أن لا يصح الجمع بين الأختين في الملك قياساً على عدم صحة النكاح‏.‏ ومنها أن العدة تجب على المرأة لا على الزوج‏.‏ ومنها أن العدة تجب على الزوجة بعد الدخول أو الخلوة ويجب الاستبراء عندهم في الأمة مطلقاً فالحق أن مثل هذا القياس المبني على غير أساس لا يصلح لإثبات تكليف شرعي على جميع الناس وكما أنه لا وجه للإيجاب لا وجه للاستحباب لأن كل واحد منهما حكم شرعي والبراءة الأصلية مستصحبة حتى ينقل عنها ناقل صحيح وليس في كلام ابن عمر المذكور ما يدل على أن الاستبراء على البائع ونحوه بل ظاهره أنه على المشتري ولو سلم فليس في كلامه حجة على أحد واختلف في وجوب الاستبراء على المشتري والمهب ونحوهما فذهب الجمهور إلى الوجوب واحتجوا بالقياس على المسبية بجامع تجدد الملك في الأصل والفرع وذهب داود والبتي إلى أنه لا يجب الاستبراء في غير السبي أما داود فلأنه لا يقول بثبوت الحكم الشرعي بمجرد القياس وأما البتي فلأنه جعل تجدد الملك بالشراء والهبة كابتداء النكاح وهو لا يجب على من تزوج امرأة أن يستبرئها بعد العقد ورد بالفرق بين النكاح والملك فإن النكاح لا يقتضي ملك الرقبة كذا في البحر ولا يخفى أن ملك الرقبة مما لا دخل له في محل النزاع فلا يقدح به في القياس واستدل في البحر للجمهور بقول علي رضي اللّه عنه من اشترى جارية فلا يقربها حتى تستبرأ بحيضة قال‏:‏ ولم يظهر خلافه وقد عرفناك غير مرة أن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يدل على الموافقة لعدم وجوب الإنكار فيها على المخالف والأولى التعويل في الاستدلال للموجبين على عموم حديث رويفع وأبي هريرة فإن ظاهرهما شامل للمسبية والمستبرأة ونحوهما والتصريح في آخر الحديث بقوله فلا ينكحن ثيباً من السبايا ليس من باب التقييد للمطلق أو التخصيص للعام بل من التنصيص على بعض أفراد العام ويمكن أن يقال إن قوله في الحديث من السبايا مفهوم صفة فلا يكون من التنصيص المذكور إلا عند من لم يعمل به وأوضح من ذلك حديث أبي سعيد المتقدم فإن قوله لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة يشمل المستبرأة ونحوها وكون السبب في ذلك سبايا أوطاس لا يدل على قصر اللفظ العام عليهن لما تقرر أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيكون ذلك عاماً لكل من لم تجوز خلو رحمها لا من كان رحمها خالياً بيقين كالصغيرة والبكر كما تقدم تحقيق ذلك وظاهر حديث رويفع وما قبله أنه لا فرق بين الحامل من زنا وغيرها فيجب استبراء الأمة التي كانت قبل ثبوت الملك عليها تزني إن كانت حاملاً فبالوضع وإن كانت غير حامل فبحيضة ويؤيد هذا حديث الرجل من الأنصار الذي ذكرناه في أول الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاصطفى علي منه سبية‏)‏ الخ يمكن حمل هذا على أن السبية التي أصابها كانت بكراً أو صغيرة أو كان قد مضى عليها من بعد السبي مقدار مدة الاستبراء لأنها قد دخلت في ملك المسلمين من وقت السبي والمصير إلى مثل هذا متعين للجمع بينه وبين الأحاديث المذكورة في الباب وظاهر هذا الحديث وسائر أحاديث الباب أنه لا يشترط في جواز وطء المسبية الإسلام ولو كان شرطاً لبينه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يبينه ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك وقتها ولا سيما وفي المسلمين في يوم حنين وغيره من هو حديث عهد بالإسلام يخفى عليهم مثل هذا الحكم وتجويز حصول الإسلام من جميع السبايا وهي في غاية الكثرة بعيد جداً فإن إسلام مثل عدد المسبيات في أوطاس دفعة واحدة من غير إكراه لا يقول بأنه يصح تجويزه عاقل ومن أعظم المؤيدات لبقاء المسبيات على دينهن ما ثبت من رده صلى اللّه عليه وآله وسلم لهن بعد أن جاء إليه جماعة من هوازن وسألوه إن يرد إليهم ما أخذ عليهم من الغنيمة فرد إليهم السبي فقط وقد ذهب إلى جواز وطء المسبيات الكافرات بعد الاستبراء المشروع جماعة منهم طاوس وهو الظاهر لما سلف وفي الحديث الآخر منقبة ظاهرة لعلي رضي اللّه عنه ومنقبة لبريدة لمصير علي أحب الناس إليه وقد صح أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق كما في صحيح مسلم وغيره‏.‏